لم يبق شيء لنا سوى الألم والحنين لكل ما فقدناه
نتقابل أنا وداليا كل أيام الأسبوع إلا يوماً.. كنت أقول لها (مش هشوفك اليوم عشان أشتاقلك) لكن هذا اليوم نتحدث طوال الوقت على الهاتف.
تَحدثت مع داليا مرة في بداية العدوان، قلت لها: داليا أنت بخير؟ أجابتني الحمد لله بيتنا راح واختفت أشهر، وانقطع الاتصال بيننا.. لم يفارق اسم "داليا" دعائي، كنت أخاف أن تفقد داليا عزيزاً لأني أعلم مدى رقِة قلبها.
بعد أكثر من ثلاثة أشهر من العدوان علمت أن داليا في مدينة خانيونس عندما كانت جميع الأخبار تتحدث عن مدى الخطر في خانيونس.. هنا لم يبق لدي عقل لكثرة الأفكار والمشاعر التي كانت تتخبط بين عقلي وقلبي الخوف والقلق والتوتر وأسئلة تتراود في ذهني هل أصابها مكروه؟ هل فقدت أحد أفراد أسرتها؟، حاولت الاتصال بداليا أكثر من ألف مرة، ولم يكن هناك إجابة، بعد شهر تقريباً محاصرة في خانيونس اتصلت بداليا بكل رجاء أن تجيبني.
ولأول مرة من بداية العدوان كان هناك إرسال عند داليا وردت على اتصالي.. بداية المكالمة لم نستطع تمالك أنفسنا من البكاء، ورددت إليها "الحمدلله إنك عايشة" العديد من المرات بعدها طلبت منها أن تحدثني عن ما حدث لها في خانيونس وقلة الحيلة تملأ قلبي لا يوجد لدي كلمات تهون أو تخفف مدى جرحها.
حدثتني: لم أنم بالأيام يا نور من شدة الانفجارت، هالّ علينا منزل النزوح، لم نستطع تدبير قوتَ يومنا، نزحنا للمرة السادسة وهذه المرة إلى رفح، لم يكن الطريق هيناً، أطلقوا علينا قنابل صوت، وجهوا القناصة في وجه أبي..
كنت صامتة طوال الحديث ممتنة أني أسمع صوتها وعاجزة لما عاشته ولم أكن بجانبها كالعادة.
ما الذي سوف يعيد، أو حتى يصلح ما نهشته الحرب منا؟
فقدنا الشعور بالسعي لتحقيق هدف حقيقي، وفقدنا حباً ولَسعات الأقارب والأصدقاء، وفقدنا اقتناء ملابس الشتاء الدافئة، وفقدنا لذة الاستمتاع بالطعام والشراب، وفقدنا شعور التذمر في كل صباح دوام؛ لأنه بدا لنا أن الانشغال نعمة.. لم يبق وقتاً للاستلقاء والراحة لم يبق شيء لنا سوى الألم والحنين إلى كل ما فقدناه.