لا أعلم أين سألتقي نفسي بعد كلّ هذا الدمار؟
لا أعلمُ أين سألتقي نفسي بعد كلّ هذا الدمار، اعتدتُ أن أدعوها للقاءٍ في مقهى صغير نناقشُ فيهِ احتمالاتُ القدر، أو أتفقُ معها على موعدٍ أمام البحر، تنافسُ فيهِ أفكاري أمواجَه، من فيهم أكثرُ صخبًا! أو أن أصحبها في نزهةٍ تحت سماءٍ زرقاء، أتقبل الآن بسماءٍ رمادية؟
لا أعلمُ كيف سأحدّثها عن الذين فقدتُهم! هل أمهّد لها بذكرياتٍ جمعتني بهم؟ أم أتركها للصبر عند الساعة الأولى حين أكتفي بذكرِ أسمائِهم؟ لا زالت دماؤهم تسيلُ فوق وجنتاي، شفافةً وباردة.
لا أعلمُ في أيّ المكتبات سأقرأ الروايات ولا يفسد عليّ القراءة سوى انتهاء الوقت، ومتى سأعيدُ الكتاب الذي استعرتُه من إحداهنّ وتركته في بيتي، وفي أيٍّ منهن سأنثرُ ورقًا يحملُ هذيانًا لا يطيقُه سوى أصدقائي، كم منها تبقت؟ بل كم منهم تبقى ليقرأ!
لا أعلمُ إن كانت ذاكرتي تسعفني لأتذكر صوتَ العصافير وحدها في الصباح، صوتُ ضحكات الصغار، صوتُ صديقاتي يثورُ بهنّ النقاش ثم يهدأنَ ويغنّين، أو حتى صوت مذياع أحدهم يبثُ أي خبرٍ غير "تم استهداف، غارات عنيفة على، مجزرة عائلة"، لا صوت يجوب ذهني سوى الانفجارات، وانهيارُ المباني على رؤوس من هم مثلي، وبكاء الفاقدين وحسبنةُ الأمهات، وفي الخلفية صوتُ الزنانة الذي لا يتوقف.
لا أعلمُ إن كان لدي متسعٌ من الوقت لأسترجع تفاصيلُ حياتي السابقة، وفرض احتمالاتٍ ضعيفة لوجود شيءٍ منها بعد أن تنتهي الحرب.
جميعُنا في هذه الحرب يعلمُ شيئًا واحدًا.. أننا لا نعلم!