0%

حكاية من حكايات الحرب



منذ 11 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 12 دقيقة

احتميت باللحاف وأولادي الثلاثة وأختي وزوجة أخي في زاوية الغرفة والجندي الإسرائيلي يعبث بالقذائف ويرسلها فوق رؤوسنا، في كل مرة من زاوية مختلفة وجميعها كانت موجهة على بيت عمي الذي نزحنا لإله بعد محاصرتنا في شارع مستشفى الشفاء..في هاي اللحظة تذكرت لما كنت في شقتي ياللي في شارع مستشفى الشفاء، تذكرت نفس السيناريو والشظايا بتنزل على بيتنا والقذائف مطر، تذكرت كيف كنت في الزاوية وتحت الحرام أنا وأولادي الثلاثة تذكرت كيف كنت أرجف وصوت جنازير الدبابة بقرّب وبفكر شو راح يصير وشو راح أعمل لما الجندي يفجر باب شقتي ويدخل عليّ أنا وأولادي ونحن مجردين من كل شيء من كل شيء من كل شيء، كل يلي كان موجود هو صوت دقات قلوبنا، صح نفسها دقات قلوبنا رجعت سمعتها في بيت عمي وأنا في الزاوية والقذائف بتنزل بتنزل بتنزل بتنزل مطر مطر مطر، الشظايا بتدخل من الغرفة والحجارة بتوقع وصوت الصراخ، صح كنت أتشاهد وابني بيزكرني الشهادتين لما أغلط وأنا بحاول أحكيها وأنا برجف برجف، بس ابني ياللي عمره ست سنوات كان متذكرها!

 

تركتهم في الغرفة ووقفت آخد الشنطة، أخدت بس شنطة وحدة، بس وحدة حسيت إنه هي كل العمر، هي الـ 30 سنة، كان فيها بس شهاداتي الجامعية وهويتي وجواز سفري، صح جواز سفري كنت محضرة حالي أقدم على منحة الماجستير في جامعة ملبورن في أستراليا، صح جواز سفري ياللي تراسلت وبعته لدار النشر في أمريكا واتفقنا على توقيع العقد ونشر روايتي الأولى في أمريكا وكندا، كنت طايرة من الفرحة يومها، تذكرت كل أحلامي وشهاداتي وعقد دار النشر، والماجستير واللغات.

 

صح أنا خلصت تخصص لغة إنجليزية فرعي ترجمة وآداب، صح تخصص الآداب والروايات الإنجليزية والكتب، الكتب ما أحلى ريحتها بس تركتها وأخذت بس شنطة وحيدة شنطة العمر شنطة الأوراق.

 

طلعت أجري بالشوارع وشفت الناس بتجري وشفت الرايات البيضاء وشفت المصابين والدم، بس ما شفت أهلي، صح أهلي وين وين أهلي وينهم، عديت أولادي الثلاثة وتأكدت إنهم ثلاثة بس ما قدرت أعد أهلي، مش موجودين مش حوليا (حولي)، في ناس بتجري بس أهلي مش معهم، بس ضليت أجري ما كان ينفع أرجع ألاقيهم القذائف مطر.

 

طلعت على مدارس الأونروا كل الناس بتجري المدارس ما فيها وسع، وين أختي أختي أختي، شفت إمي في الشارع الثاني بتبكي وبتصرخ وبتسأل بنتي بنتي بنتي بنتي، طلعت أشوفها ما قدرت صاروا يشدوا فيا الناس اتركيها اتركيها، خبي أولادك بس دخلي أولادك المدرسة، المدرسة هي الملجأ!

 

صرت أجري بالساحة أجري، فجأة شفت إمي بتبكي بتصرخ على باب المدرسة وأخويا فجأة شفته حافي القدمين بيبكي وبيسأل أختي وينها أخويا وين أبويا وين، ولأنه الزلمة طلع، طلع يحاول يلاقي باقي العيلة والقذائف مطر والكواد كابتر والقناص والزنانة والطيران الحربي كله طلع كمان عشان ينهشنا وينهش شبابنا وينهش حياتنا، دخلت الممر ما بكيت ما قدرت بس قدرت أعد أولادي وبس، بس عديت أولادي وإمي، أختي أخويا أبويا وأختي وعيلتها وأختي عيلتها وأخويا وزوجته وينهم وينهم! ما قدرت أعدهم، ما قدرت أعدهم زي ما عرفت أعدهم وأنا في شقتي ياللي عند شارع الشفاء، عديتهم في المرة الأولى لما حاصرتنا الدبابات لما نزلت على رؤوسنا الشظايا والحجارة عديتهم في المرة الأولى، بس في المرة الثانية ما عديتهم ما قدرت!

 

عديتهم عديت أهلي لقيتهم في الساحة في ساحة المدرسة، عديتهم بعد ما دقائق وثواني كانت سنين، سنين طويلة، السنين الطويلة كلها وقفت لحظة ما حضنت إمي ولمحت من بعيد إخوتي وأبويا، بس أختي وعيلتها لسا في البيت، لسا في البيت والقذائف نزلت على شارعهم وشارع بيت حماها يلي نزحت لإله بعد ما قصفوا شقتها في شارع مستشفى الشفاء، أختي وعيلتها أولادها وزوجها، مين يرجع يجيبهم مين يرجع يتطمن عليهم! في هاي اللحظة فهمت شو أهوال يوم القيامة، فهمت شو يعني يوم يفر المرء من أبيه وأمه وأخيه! عرفت معاني كتير عرفت أشياء كتير بس ما عرفت أختي وعيلتها وين!

 

بس عرفت خالتي كانت بتبكي في ممر المدرسة، بس بتبكي، وهي بتبكي وأنا مش قادرة أحكي أو أخفف عنها أو أسألها مين ياللي ضاع منكم مين! سمعت صوت أبنائها وزوجة ابنها بيصرخوا وبيسألوا عن زينة، صح زينة يلي لسا ما طاب جرحها بعد قصف بيتهم بالF16، زينة يلي طلعوها من تحت الركام، وين زينة وينها!! ما قدرت أعمل شيء، حتى البكاء ما قدرت عليه! وفجأة أجا زلمة وأخدنا جوا الصف المعتم المكدس بالناس، وحكى بس تخلصوا بكاء اطلعوا برا! ابني معي وبيرجف وبيطلع حواليه، فتحت الشنطة الوحيدة شنطة العمر كله، عشان أعطيه حلوى Jelly عشان يمكن ينسى الخوف، بس ما نسي ابني ورفض وبنتي وابني التاني كلهم رفضوا، رجعت فتحت الشنطة عشان أرجع حلوى الJelly.

 

لحظتها لمحت الأوراق والشهادات، ابتسمت ابتسمت وحكيت يمكن هيك أقدر أكتب كمان رواية وأنشرها، صح لما تخلص الحرب بدي أنشر كمان رواية، وبدي أرجع أحكي مع دكتوري الدكتور رفعت العرعير، دكتوري يلي كان يحكي كلام إيجابي ويساعدني ويشجعني للماجستير، كلّمته يوم ١٧ أكتوبر، وحكيت معه وطمنّي إنه بخير، أكيد راح يكون بخير وأرجع أكلمه.

 

ابتسمت وتطلعت على تاريخ اليوم كان التاريخ 3 ديسمبر، والدكتور رفعت أكيد كعادته راح أبعت لإله أفكاري ويشجعني وينتقدني ويحط الخطوط بالقلم الأحمر والدوائر الحمراء، راح يسألني عن الترجمة وينتقدني ويحاسبني على ترتيب الجملة وقواعدها وبعدين يحكي ترجمتي صح وبعدين يحكي متى أسقط شخصيتي كمترجمة على الجملة ومتى أكون موضوعية! ياااه، بس تخلص الحرب وأرجع أشوفك يا دكتور رفعت، وأرجع أشتكي منك ومن خطوطك الحمراء!

 

ابتسمت من الخطوط الحمراء، وسكرت الشنطة والقذائف لسا بتنزل، بس قلبي بينزل عليه الحماس وعقلي بينزل عليه الأفكار والسيناريوهات يلي بتخيلها وأنا بأحكي معك يا دكتور رفعت وبتناقش معك وبتنتقدني، سكرت الشنطة وسكرت العمر معها، وتسكر على قلبي وعقلي كل فكرة بعد ما فتح زلمة باب الصف وحكى: يلا اطلعوا برا الصف


الوسوم

الأونروا

شارك


x