عن أحمد مناصرة
نحلم بحياة آمنة لا يدعم فيها العالم قتلنا ثم يتبجّح بقوانينه وأخلاقه. كنا نحلم، هذا ذنبنا
كان عمري ١٣ سنة، وانا اتجوّل مع صديقي قبل أن يكون ابن عمي "حسن" الذي يكبرني بسنتين. كُنا معًا كتفًا إلى كتف نرسم صورة لمستقبل يموت فيه الطاغية ويزول الإحتلال ونعود لنتنفس هواءً نقيًا لا يخرقه البارود ونستمع لأصواتنا وأغانينا دون أن يخترقه عويل الطائرات وهي تزأر لضربنا آمنين، تُشرّد بعضنا وتقتل بعضًا آخرين.
نحلم بحياة آمنة لا يدعم فيها العالم قتلنا ثم يتبجّح بقوانينه وأخلاقه. كنا نحلم، هذا ذنبنا. حتى زأرت ملالة الإحتلال، وعلى وقع ضربات أقدام جنوده المتوحشين، ضُربنا حتى قُتِل صديقي "حسن" أمام عيناي وقتلت معهُ أحلامنا. اقتادوا ما تبقى مني يوم ١٢ اكتوبر من عام ٢٠١٥ إلى السجن، وتحت التهديد والصراخ لم يتحمّله كطفل، انقطعت ذاكرتي عن العمل للحظات، وهم يُحاججون "بجُرمي" ويستعرض ضابط التحقيق عضلاته على أعزل مثلي. قُلت "مش متذكّر" لأن ما اذكره هو ابن عمي جثة صريعة أمامي. من انت؟ ولماذا نحن هنا؟ اين أهلي؟ أين حسن، هل هو في الغرفة الثانية؟
مضت ٨ سنوات الآن، بجوار وحوش، في سجن يمنعني من الحُلم وانا "مش متذكّر".
لكننا يا أحمد، نذكُر. ونرى حُريتك قاب قوسين أو أدنى. نذكُر من فعل هذا ونذكر حسن، نذكر من فعل هذا لخمس وسبعون عامًا بشعلك ولن ننسى. نذكر في خضم الحرب الحالية، ماذا قالوا ومن وقف بوجهك ومن حتى بالكلمة استخسر مناصرة شعبك. نذكر إنك يا أحمد شهادة حية على زَيْف العالم. ولن ننسى. حُرّ يوم ولدت وبوم سُجنت ويوم يُطلق سراحك.