قبرُ أبي... أي وفاة تقصد.. الأولى أم الثانية؟
يعني أن قبر أبي لم يعد هناك، يعني أن أبي الذي مات لم ينجُ أيضاً، يعني أنك حتى لو كنتَ بعيداً عن المكان، فستطالك أسنان الحرب، ستعضك بمليون طريقة، فمنذ اليوم، وحتى إن توقفت الحرب، لن تكون هناك ورود على قبور المقبرة الشرقية
منذ 4 أسابيع
الوقت المقدر للقراءة: 5 دقيقة
"إن كنتَ فلسطينياً، فلا يكفي أن تموت كي تموت"
في الجزء الشرقي من مدينة رفح، وبجوار حي السلام، تقع ما يعرفه سكان رفح باسم "المقبرة الشرقية"، لتمييزها عن المقبرة التي تجاور المخيم، والتي امتلأت وتم إغلاقها عام 1994.
في المقبرة الشرقية تلك، قبر أبي، وقبر علم الدين شاهين، وقبر عمي "جمعة" مختار قرية حتا، وقبر أبو علي شاهين، والعديد من قبور الشهداء، وكان الشهيد الذي يقع بين أيدي الشباب، يتم دفنه في مقبرة المخيم، أما الذي يأخذه الجيش، فيدفن في المقبرة الشرقية، ليلا، وبمرافقة 4 أشخاص من عائلته، خلال منع التجول.
توفي أبي عام 2000، ودفن في المقبرة الشرقية.
بالأمس، وفي حوار طويل مع صديق من رفح "بلال جحيش"، أخذ بلال يصف لي ما حدث من خراب في المدينة، قال بلال: إنت زمان شفت رفح، رفح كانت بتجنن، الدمار والتجريف والمسح طال منطقتكم كلها [مخيم الشابورة]، وخذ من كرتية لرابعه العدوية [وسط جنوب المدينة]، بربرة بالكامل، والسطرية بالكامل، تل السلطان وامتداداته الجديدة [غرب المدينة]، البرازيل والسلام بالكامل [جنوب شرق المدينة]، اليوم بلشوا بحي الجنينة [شرق المدينة]، فقلت له: يكفي يا بلال لا أريد أن أسمع المزيد.
قبل أن يسكت عن السرد كان قد كتب جملةً لم يستطع محوها، فوصلتني: جرفوا المقبرة الشرقية بالكامل...
ماذا يعني هذا؟
يعني أن قبر أبي لم يعد هناك، يعني أن أبي الذي مات لم ينجُ أيضاً، يعني أنك حتى لو كنتَ بعيداً عن المكان، فستطالك أسنان الحرب، ستعضك بمليون طريقة، فمنذ اليوم، وحتى إن توقفت الحرب، لن تكون هناك ورود على قبور المقبرة الشرقية، لن يقرأ أحد الفاتحة على روح أحد، ولن تكون هناك أسماء على شواهد القبور كي يعرف الناس أين دفنوا أحبتهم...
لم أكن أعرف قبل اليوم أن المقابر تشكل جزءاً كبيراً إلى هذا الحد من ذكرياتنا... ولم أعد أعرف أي تاريخ لوفاة أبي سيكون جواباً مناسباً لمن يسألني، هل أجيب عام 2000؟ أم أجيب عام 2024؟
أظن أن الإجابة الأفضل ستكون: أي وفاة تقصد؟ الأولى أم الثانية؟
- نشرت أولا في حساب خالد جمعة (اضغط هنا)