حديث عن بيتنا في غزة
منذ 2 أشهر
الوقت المقدر للقراءة: 3 دقيقة
سأحدّثكَ عن بيتنا، ليس البيت الأول الذي مات وأنا طفل، لكن، عن البيت الذي رأى ولداً يكبرُ، ماشياً ثلاثة كيلومترات إلى المدرسة، وعائداً منها بثلاثة أخرى، البيت الذي كان مكوّناً من غرفتين، وراح أبي يسرق الشارع من سارقيه خطوةً خطوةً، إلى أن صار بيتاً بخمس غرف، وحديقة صغيرة زرع فيها أبي كل شيء.
ثلاثة أمتارٍ تحت الأرض، انغرست أسنان الجرافة حتى تقتلع فكرة البيت من أصولها، فأصبح البيت هواءً، وصارت حيطانه زمناً قديماً، وذهبت رائحة أبي ورائحة أمي التي كانت معلّقةً على الحيطان، ذهب شبّاك مخزن أمي الذي كان يطل على الحارة الخلفية، حيث الشارع الضيّقُ، ودكان "أبو شادي" الخياط الذي يأخذ قياساتنا في الصباح، ويسلمنا البنطال في المساء.
لم يذهب البيت إلى أي مكان، بل انهار في مكانه، سمعتُهُ يئنُّ، ينادي بأسماء ساكنيه واحداً واحداً، الراحلين والأحياء، قال جارنا إنني مجنون، لأن الحجارة لا تتكلم، فقلت له إنك أنت المجنون لأنك لا تستطيع سماع الحجارة، لكنه اتصل بي في اليوم التالي وقال لي إنه سمع بكاء حجارة بيته، قلت له إني لم أسمعها، فقال: يبدو أن كل بيت لا يسمعه غير سكانه، فبكينا معاً.