ابنة شهيد وأخت شهيد..حرقة تكوي القلب
أنا شيماء، وإن كنتُ سأعرّف نفسي فسأكتفي بقول أنني ابنة الشّهيد أسامة إبراهيم ناجي، وأخت الشّهيد صهيب أسامة ناجي، وهذا رزقي من الفخر والعزّة، أكتبُ هذه الكلمات والدّموع تملأ عينيّ والقلب يتّقد، لم أعتد فراق أحبّتي واليوم أودّعهم إلى مثواهم الأخير، إلى جنان الخُلد ورضا الرّحمن.
أبي الحنون أبو مصعب، صاحبُ السيرة الطيّبة، أخي الحبيب صهيب، سندي وصديقي، مضى مئة وعشرون يومًا على فراقكم، أعدّهم لحظة تلو الأخرى، وشعرتُ كأنّهم مئة وعشرون سنةً لطولهم وثقلهم. أتعلمُ يا أبي كم فاض قلبي اشتياقًا! أربعة أشهر يا أبي وأنت غائب عنّا، ألن تعود حقًّا! أحدّث نفسي وأحاول إقناعها، ولكنني لا أفهمُ حقيقة أنّك ذهبتَ بلا عودة.
كنتَ في كلّ صباح تذهب إلى عملكَ وتوصلني إلى عملي في طريقك، ويبدأ يومي برفقتك في سيارتك الجميلة، أريدكَ يا حبيبي أن تفخر بي، فأنا أرفعُ رأسك شامخًا في كلّ مكان وفي كلّ زمان، في الثّانوية العامة وفي جامعتي وفي عملي، أضع بصمتي في أيّ مكان أذهب إليه لأنني شبيهتك في كلّ شيء؛ جدعة مثلك وذكيّة مثلك وجبّارة مثلك (قويّة)، كنتَ تُطلق عليّ لقب: "شمشوم الجبّار"، وفعلًا ما ضعفتُ ولا يئستُ، حملتُ أمانة كبيرة في رقبتي من بعدكَ؛ أخواتي وأمّي..ولم أزل لهم الأب والأم، أرعاهم وأجلبُ لهم الطعام رغم إصابتي في قدمي، أذهب إلى السوق لألبّي احتياجاتهم كوني البنت الكبرى، ولا يوجد غيري لهم ليُعينهم، هُنا في جنوب البلاد نحن غرباء وحيدون من دونك، أين ذهبتَ يا حبيبي؟ حدث الكثير من الأمور بعد رحيلك، أريدُ أن أخبرك بها كلّها، أخَرْفَك إيّاها، كنتَ تقولُ لي: "شو ما صار معك..احكيلي مين زعلك"، كنتُ أخبركَ بكلّ شيء حتّى لو كان تافهًا وبسيطًا، وأنتظر ردّة فعلك ورأيك، فلمن سأحكي اليوم يا سندي؟
في كلّ صباح وفي كلّ مساء وفي كلّ وقت طعام وفي كلّ مناسبة نتذكركَ ونقول: "لو كنت موجود..اااخ"
لا اعتراض على قدر الله، الحمدُ لله أنه اصطفاك شهيدًا، هذا ما يصبّرنا، ونأمل من الله أن يتقبلك في الشهداء والصدّيقين وحسن أؤلئك رفيقًا، لأنّك عشتَ عُمرًا في الإحسان مع كلّ من حولك، فريدٌ ومختلف في طيبتك، والله يسّر لنا أناسًا بلطفه في كلّ مكان ذهبنا إليه كرماء مثلك يا أبي، أتمنّى لو أنّك معنا لأعرّفك عليهم وأحكي لك عنهم.
رحلتَ وأخذت معك رُوحي، لكنّك تسكنُ في قلبي حتى آخر لحظة تنبض في داخلي الروح، رحلت وأخذت معك صهيب، صهيب الذي إن غاب ساعة واحدة عن البيت نفتقدهُ، أين صهيب! الذكي العبقريّ المميّز، بالفعل أنا لم أرَ طفلًا بنفس عمره بهذا الذكاء! تجلسُ بصحبته فتشعر أنّك بصحبة رجلٍ كبير لفطنته، صهيب الخفيف على القلب، جميل الوجه والمبسم، يغمر قلبي بلباقته التي تعدّت عُمره بأميال، حديثه لا يُملّ ويحمل في عقله كمًّا هائلًا من الثّقافة والوعي، وكان تعلّقي به يزداد كلّ يوم أكثر، ورحل أبي الآن مصطحبًا معه رفيق قلبه صهيب، ومعهما عمّتي إيمان الأقرب إلى والدي ولنا، فلقد اعتدنا عليها هي وأبنائها منذ الصّغر أن تكون جميع سهراتنا وطلعاتنا معًا.
كلّ الأحبة رحلوا، ولم يعد هنالك طعم للحياة، لو أنني كنتُ أدري أنّ تلك الليلة هي آخر ليلة لك في هذه الدّنيا يا والدي لجلستُ في حضنك ورحلت معكَ إلى جنّات الفردوس، فصحبتك تغنيني عن الدّنيا وما فيها.